الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استبداد علي بن سكمان بالبصرة. كان السلطان محمد قد أقطع البصرة للأمير اقسنقر البخاري واستخلف عليها سنقر الشامي فأحسن السيرة فلما توفي السلطان محمد وثب عليه غزغلي مقدم الاتراك الاسماعيلية وكان يحج بالناس منذ سنين وسنقر ألبا وملكا البصرة من يده وحبساه وذلك سنة إحدى عشرة وهم سنقر البا بقتله فعارضه غزغلي فلم يرجع وقتله فقتله غزغلي به وسكن الناس وكان بالبلد أمير اسمه علي بن سكمان عن هذه الواقعة فغص به غزلي لتمام الحج على يده وخشي أن يثأر منهم بسنقر البا لتقدمه عليهم فأوغر إلى عرب البرية فنهب الحاج وانثنى علي بن سكمان في الدفاع عنهم إلى أن قارب البصرة والعرب يقاتلونه فبعث إليه غزغلي بالمنع من البصرة فقصد القرى أسفل دجلة وصدق الحملة على العرب فهزمهم ثم سار إليه غزغلي وقاتله فأصابه سهم فمات وسار علي بن سكمان إلى البصرة وملكها وكاتبه اقسنقر البخاري صاحب عمان بالطاعة وأقترفوا به على أعماله وكان عند السلطان وطلبه أن يوليه البصرة فأبى وبقي ابن سكمان بالبصرة إلى أن بعث السلطان أقسنقر البخاري إلى البصرة سنة أربع عشرة فملكها علي بن سكمان..استيلاء الكرج على تفليس. كان الكرج قديما يغيرون على أذربيجان وبلادران قال ابن الاثير والكرج هم الخزر وقد بينا الصحيح من ذلك عند ذكر الأنساب وأن الخزر هم التركمان إلا أن يكون الكرج من بعض شعوبهم فيمكن ولما استفحل ملك السلجوقية أمسكوا عن الاغارة على البلاد المجاورة لهم فلما توفي السلطان محمد رجعوا إلى الغارة فكانت سراياهم وسرايا القفجاق تغير على البلاد ثم اجتمعوا وكانت بلد الملك طغرل وهي اران ونقجوان إلى أوس مجاورة لهم فكانوا يغيرون عليها إلى العراق لملك بغداد ونزل ابن صدقة فسار هو وأتابك كبغري ودبيس بن صدقة وأبي الغازي بن أرتق في ثلاثين ألفا إلى الكرج والقفجاق فاضطرب المسلمون وانهزموا وقتل منهم خلق وتبعهم الكفار عشرة فراسخ وعادوا عنهم وحاصروا مدينة تفليس وأقاموا عليها سنة وملكوها عنوة سنة خمس عشرة ووصل صريخهم سنة ست عشرة إلى السلطان محمود بهمدان فسار لصريحهم وأقام بمدينة تبريز وانفد عساكره إلى الكرج فكان من أمرها ما يذكر إن شاء الله تعالى..الحرب بين السلطان محمود وأخيه مسعود. قد تقدم مسير مسعود إلى العراق وموت أبيه السلطان محمد وما تقرر بينهما من الصلح ورجوعه إلى الموصل بلده وأن السلطان محمودا زاده اذربيجان ولحق به قسيم الدولة البرسقي عندما طرده عن شحنة بغداد فأقطعه مسعود مراغة مضافة إلى الرحبة وكاتب دبيس حيوس بك أتابك مسعود يحرضه على بكبة البرسقي وأنه يباطن السلطان محمودا ووعده على ذلك بالاموال وحرضهم على الأمر لمسعود ليقع الاختلاف فيحصل له علو الكامة كما حصل لأبيه في فتنة بركيارق ومحمد وشعر البرسقي بسعاية دبيس فخشي على نفسه ولحق بالسلطان محمود فقبله وأعلى محله ثم اتصل بالملك مسعود الاستاذ أبو إسماعيل الحسين بن علي الاصبهاني الطغرائي وكان ابنه أبو الوليد بن أبي إسماعيل يكتب الغري للملك مسعود فلما وصل أبوه استوزره مسعود وعزل أبا علي بن عمار صاحب صاحب طرابلس سنة ثلاث عشرة فأغري مسعودا بالخلاف على أخيه السلطان محمود فكتب إليهم السلطان بالترغيب والترهيب وخاطبوا الملك مسعودا بالسلطان وضربوا له النوب الخمس واغزوا إليه السير وهو في خف من العسكر فسار إليهم في خمسة عشر ألفا وفي مقدمته البرسقي ولقيهم بعقبة استراباذ ربيع الأول سنة عشرة فانهزم الملك مسعود وأصحابه وأسر جماعة من أعيانهم منهم الاستاذ أبو إسماعيل الطغرائي وزير الملك مسعود فأمر السلطان محمود بقتله وقال ثبت عندي فساد عقيدته لسنة من وزارته وكان كاتبا شاعرا يميل إلى صناعة الكيمياء وله فيها تصانيف معروفة ولما انهزم الملك مسعود لحق ببعض الجبال على اثني عشر فرسخا من المعركة فاختفى فيه مع غلمان صغار وبعث يستأمن من أخيه فأرسل إليه أقسنقر البرسقي يؤمنه ويجيء به إليه بعض الأمراء فحرضه على اللحاق بالموصل واذربيجان ومكاتبة دبيس ومعاودة الحرب فسار معه لذلك وجاء البرسقي إلى مكانه الأول فلم يجده فاتبعه إلى أن أدركه على ثلاثين فرسخا وأعلمه حال أخيه من الرضا عنه وأعاده فرجع ولقيه العساكر بأمر السلطان محمود وأنزله عند أمه ثم أحضره وهش له وبكى وخلطه بنفسه وذلك لثمانية وعشرين يوما من الخطبة باذربيجان وأما حيوس بك الاتابك فافترق من السلطان من المعركة وسار إلى الموصل وجمع الغلال من سوادها واجتمعت إليه العساكر وبلغه فعل السلطان مع أخيه فسار إلى الزاب موريا بالصيد ثم أجد السير إلى السلطان بهمدان فأمنه وأحسن إليه وبلغ الخبر بالهزيمة إلى دبيس وهو بالعراق فنهب البلاد وأخربها وبعث إليه السلطان فلم يصغ إلى كتابه.
|